مثالٌ في نكران الذات
كتب المرحوم العلاّمة الشيخ محمد جواد مغنية عن الفقيه الزاهد الشيخ حسن الممقاني ( أعلى الله مقامهما ) قائلا :
نقدم هذا الشيخ مثلا رائعاً في نكران الذات ، و الاستخفاف بكل ما يتصل بمنافعه الشخصية من قريب أو بعيد . . فلقد أتته الشهرة بعد الخمول ، و الغنى بعد الفقر ، فزهد بالجاه و المال ، و أخذ نفسه بالأسلوب الذي عاشه ، و هو طالب فقير ، و لم يخرج منه الى الترف و الملذات ، و الكبرياء و الاستعلاء بل ازداد للناس تواضعاً ، و من الله خوفاً .
و كان يفرِ على الفقراء و المحتاجين كلّ ما يصل الى يده من أموال الحقوِ الشرعية و لايبقي لنفسه و عياله منها شيئاً ، و كانت تبلغ خمسين ألف تومان في السنة أو تزيد ، و كان اذا جاءه حقّ في الليل يوزعه في ساعته ، و لايبقيه الى الصباح ، و كان يقول : من كان أميناً على مال الله فليس له ان يأخذ منه شيئاً لنفسه ، حتى لضرورة العيش ، لأن الأخذ لها يجره الى الأخذ للتوسعة ، ثم يؤدي به هذا الى اقتناء الأملاك و العقارات .
و هنا سؤال يفرض نفسه : من اين كان يعيش هذا الشيخ مع تعففه عن الحقوِ ؟
قال ولده الشيخ عبد الله في ترجمته : كان يقنع بما يأتيه بعنوان الهدية ، حتى الهدية له كان يوزع قسماً منها على الطلاب . .
و كانت حياته بعد المرجعية و الرئاسة كما كانت قبلها ، لم يتغير شيء من مأكله و ملبسه و مسكنه و سائر معاملاته ، فكان يسكن في دار متواضعة بالإجار ، و اهداه احد المحسنين مبلغاً من المال ليشتري به داراً ، ففرّقه على الفقراء ، و لما عاتبه صاحب المال قال : لقد اشتريت داراً في الآخرة لاتفنى . . و قيل له : أتبقي أهلك بلامسكن بعدك ؟ ! فقال : الله لأهلي ، وها انا لاأملك شيئاً ، و كثيرون غيري لايملكون دوراً .
و ربما كان عمل هذا الشيخ القدّيس من باب الاحتياط لدينه ، كما هو شأنه في جميع أموره ، و قد عرف الناس من سيرته انه كان يحذر و يخاف من هوى نفسه ، تماماً كما يحذر و يخاف من عدو قوي ، و كان يمنع أرباب العمائم من تلاميذه و غيرهم أن يمشوا خلفه تعظيماً لشأنه .([1])
--------------------------------------------------------------------------------
[1]ـ نفس المصدر / ص 101 .