أهل البيت ( عليهم السلام ) في تفسير الكشّاف للزمخشري {4}
1425هـ
المطبوع في مصر عام (1948م)
والمتألّف من ثلاثة أجزاء
سورة آل عمران
قولـه تعالى :
( كُلَّما دَخَلَ عليها زكريَّا المحرابَ وجَدَ عندهَا رزقاً قالَ يا مريمُ أنّى لكِ هذا قالتْ هو مِن عندِ اللهِ )
روى الزمخشري في تفسيره الكشّاف في تفسيره لهذه الآية الشريفة عن النبيّ أنّه جاع في زمن قحط فأهدَتْ له فاطمة ( رضي الله عنها ) رغيفينِ وبضعةَ لحم آثرته بها ، فرجع بها إليها وقال : ( هلمّي يا بنيّة ) فكشفتْ عن الطبق فإذا هو مملوء خبزاً ولحماً ، فبهتتْ وعلمتْ أنّها نزَلَت من عند الله ، فقال لها : ( أنّى لكِ هذا ) ؟ فقالت : ( هو مِن عند الله ، إنّ الله يرزقُ مَنْ يشاء بغير حساب ) .
فقال عليه الصلاة والسلام : ( الحمدُ لله الذي جعلكِ شبيهةَ سيّدة نساء بني إسرائيل ) ، ثمّ جمع رسول الله عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين وجميع أهل بيته فأكلوا عليه حتّى شبعوا ، وبقي الطعام كما هو فأوسعتْ فاطمة على جيرانها .(187)
قولـه تعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ )
قال الزمخشري : روي أنّهم لمّا دعاهم إلى المباهلة قالوا : حتّى نرجع وننظر فلمّا تخالوا قالوا للعاقب ، وكان ذا رأيهم ، يا عبد المسيح ، ما ترى ؟ فقال : والله لقد عرفتم يا مَعشَر النصارى أنّ محمّداً نبيٌ مُرسل ولقد جاءكم بالفصل مِن أمر صاحبكم والله ما باهلَ قومٌ نبيّاً قط فعاش كبيرهُم ولا نبتَ صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكنّ فإنْ أبيتم إلاّ إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجلَ وانصرفوا إلى بلادكم ، فأتوا رسول الله وقد غدا محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليٌّ خلفها وهو يقول : ( إذا أنا دعوتُ فأمّنوا ) .
فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أنْ يزيل جبَلاً من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة . فقالوا يا أبا القاسم رأينا أنْ لا نباهلكَ وأنْ نقرّك على دينك ونثبت على ديننا ، قال :
( فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم ) ، فأبوا قال :
( فأنّي أناجزكم ) ، فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أنْ لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا ، على أنْ نؤدّي إليكَ كلّ عام ألفي حلّة ألف في صَفَر وألف في رجَب وثلاثين دِرعاً عاديّة من حديد فصالحهم على ذلك ، وقال :
( والذي نفسي بيده إنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمُسخوا قِردةً وخنازير ولا ضطرم عليهم الوادي ناراً ، ولأستأصل الله نجران وأهله حتّى الطير على رؤوس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى يهلكوا ) .(188)
وأيضاً روى الزمخشري عن عائشة :
إنّ رسول الله خرج وعليه مرط مرجل مِن شعرٍ أسود فجاء الحسن فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فأدخله ثمّ فاطمة ثمّ عليّ ثمّ قال :
( إنّما يُريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ) .(189)
وقال الزمخشري متسائلاً :
فإنْ قلتَ : ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلاّ ليتبيّن الكاذب منه ومِن خصمه ، وذلك أمرٌ يختصّ به ومَنْ يكاذبه فما معنى ضمُّ الأبناء والنساء ؟
قلتُ : ذلك أكّد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيثُ استجرأ على تعريض أعزّته وأفلاذ كبده وأحبّ الناس إليه لذلك ، ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتّى يهلك خصمه مع أحبّته وأعزّته هلاك الاستئصال إنْ تمّت المباهلة ، وخصّ الأبناء والنساء ؛ لأنّهم أعزّ الأهل وألصقهم بالقلوب وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتّى يُقتل ، ومن ثمّة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظغائن في الحروب لتمنعهم مِن الهرب ويسمعون الذادة عنهم بأرواحهم حماة الحقائق ، وقدّمهم في الذِكر على الأنفس لينبّه على لُطْفِ مكانهم ، وقُربِ منزلتهم ، وليؤذن بأنّهم مقدّمون على الأنفس مفدّون بها وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء ( عليهم السلام ) ، وفيه برهان واضح على صحّة نبوّة النبيّ ؛ لأنّه لم يروِ أحدٌ مِن موافقٍ ولا مُخالف أنّهم أجابوا إلى ذلك .(190)
سورة الأنفال
قولـه تعالى :
( واتّقوا فتنةً لا تُصيبنّ الّذين ظَلَموا منكُم خاصّة... )
قال الزمخشري : روي أنّ الزبير كان يُساير النبيّ يوماً إذ أقبلَ على ٌ ( رضي اللهُ عنه ) فضحك إليه الزبير ، فقال رسول الله : ( كيف حبّكَ لعليّ ) ؟
فقال : يا رسول الله ، بأبي أنتَ وأُمّي ، إنّي أحبّه كحبّي لولدي أو أشدّ حبّاً قال : ( فكيف أنتَ إذا سرتَ إليه تُقاتله ) ؟ .(191)
سورة براءة
قولـه تعالى :
( بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ )
كان نزولها سنة تسع مِن الهجرة وفتح مكّة سنة ثمان ، فأمَرَ رسولُ الله أبا بكر على موسم سنة تِسع لما كان ببعض الطريق هَبّط جبريل ( عليه السلام ) فقال : يا محّمد ، لا يبلّغنّ رسالتك إلاّ رجل منكَ ، فأرسلَ عليّاً ، فرجع أبو بكر إلى رسول الله فقال : يا رسول الله ، أشيءٌ نزل مِن السماء ؟
قال: ( نعم ) .(192)
سورة يُوسف
قولـه تعالى :
( وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ... )
قال الزمخشري :
عن النبيّ أنّه كان يعوّذ الحسن والحسين فيقول : ( أعيذكما بكلمات الله التامّة ، مِن كلِّ عينٍ لامّة ، ومن كلِّ شيطانٍ وهامّة ) .(193)
سورة مريم
قولـه تعالى :
( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً )
رُوي أنّ النبيّ قال لعليّ رضي اللهُ عنه : ( يا عليّ ، قلْ : اللهمّ اجعل لي عندك عهداً ، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّةً ) ، فأنزلَ اللهُ هذه الآية .(194)
سورة الزمر
قولـه تعالى :
( وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) .
روى الزمخشري عن الربيع بن خيثم – وكان قليل الكلام – إنّه أُخبر بقتل الحسين ( رضي الله عنه ) وسخَط على قاتله وقالوا : الآن يتكلّم فما زادَ على أنْ قال : آه أوَ قَد فعلوا وقرأ هذه الآية .
وروى أنّه قال على آثره : قُتِلَ منْ كان رسولُ الله يُجلسه في حِجره ، ويضَع فاه على فيه .(195)
سورة الشورى
قولـه تعالى :
( قلْ لا أسألكم عليه أجراً إلاّ الموّدةَ في القربى...)
روي أنّها لمّا نزلتْ ( قيل يا رسول الله ، مَنْ قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم قال :
( عليٌّ وفاطمة وابناهما ) ويدلُّ عليه .
ما رُوي عن عليّ ( رضي الله عنه ) : ( شكوتُ إلى رسول الله حسدَ الناس لي فقال : أمَا ترضى أنْ تكون رابع أربعة أوّل مَن يدخل الجنّة ، أنا وأنت والحسن والحسين ، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا ، وذريتنا خلف أزواجنا ) .
وعن النبيّ : ( حُرّمِتْ الجنّة على مَن ظَلم أهل بيتي وآذني في عترتي ، ومَنْ اصطنع صنيعةً إلى أحدٍ من وِلد عبد المطّلب ولم يُجازه عليها فأنا أجازيه عليها غداً إذا لقيني يوم القيامة ) .(196)
وقال رسول الله :
( مَنْ مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد مات مغفوراً له ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مُستكمل الإيمان ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد بشّره مَلَكُ الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد يُزفُّ إلى الجنّة كما تُزفّ العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد فُتِحَ له في قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة ، ألا ومَن مات على بغض آل محمّد مات كافراً ، ألا ومَن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنّة ) .(197)
سورة المجادلة
قولـه تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً...)
*- عن عليّ رضي الله عنه :
( إنّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحدٌ قبلي ، ولا يعمل بها أحدٌ بعدي ، كان لي دينار فصرفته فكنتُ إذا ناجيته تصدّقتُ بدرهم ) .
*- وعن ابن عمر : كان لعليّ ثلاث لو كانت لي واحدة منهنّ كانت أحبّ إليَّ من حُمر النِعَم ، تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى .(198)
سورة التغابن
قولـه تعالى :
( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ...)
*- عن النبيّ أنّه كان يخطب فجاء الحسن والحسين – عليهما السلام – وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان فنزل إليهما فأخذهما ووضعهما في حِجره على المنبر فقال صدق الله : (( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ...) ، رأيتُ هذين الصبيّين فلم أصبر عنهما ) ثمّ أخذ في خطبته .(199)
سورة التحريم
قولـه تعالى :
( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا...)
*- وعن النبيّ : ( كمل مِن الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلاّ أربع : آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ) .(200)
سورة الحاقّة
قولـه تعالى :
( وتعيها اُذُنٌ واعية )
*- وعن النبيّ أنّه قال لعليّ ( رضي الله عنه ) عند نزول هذه الآية : ( سألتُ الله أنْ يجعلها أُذُنك يا عليّ ، قال عليُّ (رضي الله عنه ) : فما نسيتُ شيئاً بعد ، و ما كان لي أنْ أنسى ) .(201)
سورة الدهر ( الإنسان )
قولـه تعالى :
( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًاً...)
عن ابن عبّاس ( رضي الله عنه ) : إنّ الحسن والحسين مرِضا فعادهما رسول الله في ناسٍ معه فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرتَ على ولدك فنذر عليٌّ وفاطمة وفضّة ـ جارية لهما ـ إنْ برءا ممّا بهما أنْ يصوموا ثلاثة أيّام ، فشفيا وما معهم شيءٌ ، فاستقرضَ عليٌّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقفَ عليهم سائل فقال :
السلام عليكم أهل بيتَ محمّد ، مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم اللهُ مِن موائد الجنّة ، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً فلمّا أمسَوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم ، فآثروه ، ووقف أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك ، فلمّا أصبحوا أخذَ عليٌّ ( رضي الله عنه ) بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله ، فلمّا أبصرهم وهُم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع قال :
( ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم ) ، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في مِحرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها ، فساءه ذلك فنزل جبريل وقال : خذها يا محمّد هنّاك اللهُ في أهل بيتكَ فأقرأه السورة .(202)
سورة النصر
قولـه تعالى :
( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ )
عن النبيّ : أنّه دعا فاطمة ( رضي الله عنها ) فقال :
( يا بنتاه ، إنّه نُعيَتْ إليَّ نفسي ، فبكتْ ، فقال : لا تبكي ؛ فإنّكِ أوّل أهلي لحوقاً بي ) .(203) (204)
أهل البيت ( عليهم السلام ) في تفسير الكشّاف للزمخشري {4}
- الزيارات: 6334