15 ـ عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : ( لن تذهب ـ أو لن تنقضي ـ الأيام حتى يَملِكُ العربَ رجلٌ من أهل بيتي يواطئ اسمُه اسمي ) (1) .
نقل السيّد ابن طاووس ( قدّس سرّه ) في كتاب ( المضمار في أعمال شهر رمضان ) : خطبة النبي ( صلّى الله عليه وآله ) في آخر شعبان ، عن كتاب بِشارة المصطفى ( صلّى الله عليه وآله ) ، وحيث لم يوجد هذه الخطبة في النُّسَخِ الموجودة من هذا الكتاب ، ذكرناها هنا ، قال السيّد :
ومن ذلك ما رواه محمد بن أبي القاسم الطبري في كتاب بِشارة المصطفى لشيعة المرتضى ( عليهما السلام ) ، بإسناده إلى الحسن بن علي بن فضّال ، عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه السيّد الشيهد الحسين بن علي ، عن أبيه سيّد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، قال : إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) خَطَبَنا ذات يوم ، فقال :
( أيّها الناس ، إنّه قد أقبَلَ إليكم شهرُ الله بالبركةِ والرحمةِ والمغفرةِ ، شهرٌ هو عند اللهِ أفضلُ الشهورِ ، وأيّامُه أفضلُ الأيّامِ ، ولياليه أفضلُ الليالي ، وساعاتُه أفضلُ الساعات ، وهو شهرٌ دُعِيتُم فيه إلى ضيافةِ الله ، وجُعِلتُم فيه من أهلِ كرامةِ الله ، أنفاسُكم فيه تسبيحٌ ، ونومُكم فيه عبادةٌ ، وعَمَلُكُم فيه مقبولٌ ، ودُعاؤكم فيه مُستجابٌ .
فاسألوا اللهَ ربَّكم بِنيّاتٍ صادقةٍ وقلوبٍ طاهرةٍ : أنْ يُوفِّقكم اللهُ لصيامِه وتلاوةِ كتابِهِ ، فإنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حَرُمَ غُفرانَ اللهِ في هذا الشهرِ العظيمِ ، اذكروا بجوعِكُم وعَطَشِكُم فيه جُوْعَ يومِ القيامةِ وعَطَشِهِ ، وتَصَدَّقُوا على فَقرائِكُم ومساكينِكُم ، ووقِّرُوا كِبارَكُم ، وارحَمُوا صِغارَكُم ، وصِلُوا أرحامَكُم ، واحفَظُوا ألسِنَتَكُم ، وغُضُّوا عمّا لا يَحِلُّ النظرُ إليه أبصارَكُم ، وعمّا لا يَحِلُّ الاستماعُ إليه أسماعَكُم ، وتحنَّنُوا على أيتامِ النَّاسِ يُتَحنَّنُ على أيتامِكُم ، وتُوبُوا إلى اللهِ مِنْ ذِنُوبِكُم .
وارفَعُوا إليه أيدِيَكُم بالدعاءِ في أوقاتِ صلواتِكُم ، فإنَّها أفضلُ الساعات ، يَنظِرُ الله عَزَّ وجَلَّ فيها بالرحمةِ إلى عبادِهِ ، ويُجيبُهُم إذا ناجَوه ، ويُلبِّيهِم إذا نادَوه ، ويَستجِيبُ لهم إذا دَعَوه .
أيَّها الناس ، إنَّ أنفُسَكُم مرهونةٌ بأعمالِكُم فَفُكُّوها باستغفارِكُم ، وظُهُورَكُم ثقيلةٌ مِنْ أوزارِكُم فَخَفِفُوها بطُولِ سِجُودِكُم ، واعلَمُوا أنَّ اللهّ ـ عَزَّ وجَلَّ ذِكْرُهُ ـ أقْسَمَ بِعِزَّتِهِ أنْ لا يُعَذِّبَ المُصلِّينَ والسَّاجِدِينَ ، وأنْ لا يُرَوِّعَهُم بالنَّار يومَ يَقومُ النَّاسُ لِربِّ العالمين ، أيَّها النَّاس ، مَنْ فَطَّرَ مِنكُم صائِماً مؤمِناً في هذا الشهرِ كانَ له بذلكَ عِندَ اللهِ عِتْقُ رَقبَةٍ ، ومَغفرةٌ لِمَا مضى مِنْ ذِنُوبِهِ .
فقيل : يا رسول الله ، وليس كُلّنا نَقدِرُ على ذلك ؟ فقال ( صلّى الله عليه وآله ) :
اتَّقُوا النَّارَ ولو بَشَقِّ تَمرةٍ ، اتَّقُوا النَّارَ ولَو بِشُربةٍ مِنْ ماءٍ ، أيَّها النَّاس ، مَنْ حَسَّنَ منكم في هذا الشهرِ خُلُقَهُ كان له جوازٌ على الصراطِ يومَ تَزِلُّ فيه الأقدامُ ، ومَنْ خَفَّفَ منكم في هذا الشهرِ عمّا مَلَكَتْ يَمينُهُ خَفَّفَ اللهُ عليه حِسَابَهُ ، ومَنْ كَفَّ فيه شَرَّهُ كَفَّ اللهُ عنه غَضَبَه يومَ يلقاه ، ومَنْ أكرَمَ فيه يتيماً أكرَمَه اللهُ يومَ يلقاه ، ومَنْ وَصَلَ فيه رَحِمَه وصَلَهُ اللهُ بِرَحمَتِهِ يومَ يلقاه ، ومَنْ قَطَعَ فيه رَحِمَه قَطَعَ اللهُ عنه رَحمَتَه يوم يلقاه ، ومَنْ تَطوَّعَ فيه بصلاةٍ كَتَبَ اللهُ لَه براءةً مِنَ النَّار ، ومَنْ أدَّى فيه فَرْضاً كان له ثوابُ مَنْ أدَّى سبعينَ فريضةً فيما سِواه مِنَ الشهور ، ومَنْ أكثَرَ فيه مِنَ الصلاةِ عليَّ ثَقَّلَ اللهُ ميزانَه يومَ تَخِفُّ الموازينُ ، ومَنْ تَلاَ فيه آيةً مِنَ القرآنِ كان له مثلُ أجرِ مَنْ خَتَمَ القرآنَ في غيرِهِ مِنَ الشهور .
أيَّها الناس ، إنَّ أبوابَ الجِنانِ في هذا الشهر مُفتَّحَةٌ ، فاسألُوا ربَّكُم ألاّ يُغلِقَها عليكُم ، وأبوابَ النيرانِ مُغلَقَةٌ ، فاسألُوا ربَّكُم ألاّ يَفتَحَها عليكُم ، والشياطينَ مغلولةٌ ، فاسألوا ربَّكُم ألاّ يُسَلِّطَها عليكم .
قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : فقمتُ وقلتُ : يا رسول الله ، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر ؟ فقال : يا أبا الحسن ، أفضلُ الأعمال في هذا الشهر الورعُ عن محارم الله عزّ وجلّ ، ثمّ بكى ، فقلت : يا رسول الله ، ما يُبكِيك ؟ فقال : يا علي ، لِمَا يُستَحلُّ منك في هذا الشهر ، كأنّي بكَ وأنت تصلّي لربّك وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين ، شقيق عاقِر ناقة ثمود ، فيضربك ضربةً على قَرنِك تَخضَبُ منها (2) لحيَتُك .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : فقلت : يا رسول الله ، وذلك في سلامةٍ من دِيني ؟ فقال ( عليه السلام ) : في سلامةٍ من دِينك .
ثمّ قال : يا علي ، مَن قَتَلَك فقد قَتَلَني ، ومَن أبْغَضَك فقد أبْغَضَني ، ومَن سَبَّكَ فقد سَبَّني ؛ لأنّك منّي كنَفْسي ، رُوحُك من رُوحي ، وطينتُك من طينتي ، إنّ اللهَ عزّ وجلّ خَلَقَني وإيّاك ، واصطفاني وإيّاك ، واختارني للنبوّةِ واختارَكَ للإمامةِ ، فمَن أنكَرَ إمامتَك فقد أنكَرَ نُبوّتي ، يا علي ، أنت وصيي وأبو ولْدِي وزوج ابنتي ، وخليفتي على أُمتي في حياتي وبعد موتي ، أمرُك أمري ونهيُك نهي ، أقسِمُ بالذي بعثني بالنبوّةِ وجعلني خير البرية : إنّك حجّةُ الله على خلقه ، وأمينُه على سرِّه ، وخليفتُه في عبادِه ) (3) .
___________
( 1 ) رواه الگنجي الشافعي في أخبار صاحب الزمان : 481 ، وللحديث بهذا اللفظ أو غيره مصادر كثيرة في كتب أهل السنّة ذلك بعضها : مشكاة المصابيح : 1123 ، حلية الأولياء 5 : 75 ، صحيح الترمذي 2 : 36 ، مسند أحمد بن حنبل 1 : 376 ، تاريخ الخطيب البغدادي 4 : 388 ، كنز العمال 7 : 188 ، ينابيع المودّة : 520 ، سنن أبي داود 2 : 207 .
( 2 ) بها ( خ ل ) .
( 3 ) إقبال الأعمال 1 : 1 ، ورواه الصدوق في أماليه : 84 ، فضائل الأشهر الثلاثة : 77 ، عيون الأخبار 1 : 295 ، عنهم الوسائل 10 : 313 ، وأخرجه مختصراً في الكافي 4 : 67 ، التهذيب 3 : 57 و 152 ، الفقيه 2 : 58 .
الجزء الحادي عشر - القسم الخامس عشر
- الزيارات: 3171