التاريخ: 2009/10/01
نص الحديث
قال الامام علي (عليه السلام): الناس ابناء الدنيا، ولا يلام المرء علی حبّ امّه.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم للامام (عليه السلام)، يقرأ قراءتين، احداهما: ساخرة، والاخری: جادّة، اي: الحديث يسخر من الناس المتشبثين بالحياة الدنيا، الا ان، السخرية تجيء حينا من خلال اصطناع لغة الجدّ، وهذا ما يسم الحديث المتقدم، کيف ذلک؟
مما لا شک فيه ان الناس فعلاً أبناء الدنيا، بمعنی انهم ولدوا في الدنيا، ولکن لا يعني ذلک ان المولود في الدنيا يحب الدنيا بما انها دنيا، وانما يحب الدنيا اذا افترضنا انه وعي وظيفته في الدنيا وهي: ممارسة الطاعة والالتزام بمبادئ الله تعالی، من هنا، فان الامام علياً (عليه السلام) المح، الی هذا الجانب حينما اوضح - في نص آخر - ان الدنيا هي القائدة الی الآخره، والا فلا تنال الآخرة الا من خلال الدنيا التي تصبح محکا للتجربة وتقود - في حالة نجاح التجربة - الی الآخرة.
بلاغة الحديث
والان مع ملاحظتنا لهذا الجانب يحسن بنا ان ننتقل الی بلاغة الحديث لنتبين طرافته التي رسم من خلال ما هو الجاد بلغة ساخرة، کيف ذلک؟
من الواضح ان السخرية واحدة من أساليب الفن وقد سخر القرآن الکريم من المنحرفين مثلاً عند ما قال «ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ»، والامام عليّ (عليه السلام) يستخدم أحد اساليب السخرية عندما يفترض ان الناس ابناء الدنيا، وما داموا ابناء الدنيا فانهم لا يلامون علی حبّ امّهم. هنا، تکون سخريته (عليه السلام) حيث يعترض ويتعجب من الناس وهم يتشبثون بحب الدنيا، وهي تشبث الأم بطبيعة الحال لانها تقود ابناء ها الی الجحيم من هنا فان القارئ للحديث سوف يتذوق بلاغة النص (ليس من خلال ايقاعه وصوره من تشبيه واستعارة ورمز) بل من خلال سخريته من هؤلاء الذين يلامون في الواقع علی حبّ الدنيا، ولکن الامام (عليه السلام) استخدم (عدم اللوم)، يشير الی (اللوم)، وهکذا من خلال التضاد يکسب الامام (عليه السلام) هذا الحديث طرافته وبلاغته وعمقه.
*******
بقلم : الدکتور محمود البستانی
المأخذ : arabic.irib.ir