• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الشبهة السابعة: عدم وجود دليل على إيصال الخُمُس إلى الفقيه

 مفاد الشبهة
إنَّ إعطاء الخُمُس إلى الفقيه وإيصاله إليه لا يوجد عليه مستند شرعي لا قرآناً ولا سُنَّةً، ومن المعلوم أنَّ الخُمُس في الآية المباركة قد صُنِّف إلى أسهم ستَّة وليس للفقيه منها شيء، فلماذا يُفتي فقهاء الشيعة بوجوب إيصال الخُمُس إليهم؟
ردُّ الشبهة
ينبغي توضيح أُمور عدَّة:
الأمر الأوَّل:
الخُمُس ينقسم إلى قسمين:
الأوَّل: الأسهم الثلاثة: حقُّ الله، وحقُّ الرسول، وذوي القربى، وأفتى مشهور فقهاء الإماميَّة بوجوب إيصاله إلى الفقيه الجامع للشرائط، وإن أفتى بعضهم بجواز تصرُّف المكلَّف بهذا الحقِّ في موارده المقرَّرة.
الثاني: الأسهم الثلاثة الأُخرى من الأيتام والمساكين وأبناء السبيل من السادة من بني هاشم، وأفتى مشهور الفقهاء بجواز تصدّي المكلَّف بنفسه في صرف هذه الأسهم على فقراء السادة وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، ومن يُفتي من الفقهاء بلزوم إيصال هذا الحقِّ إليه لا يعني استيلائه عليه، وإنَّما لصرفه في مورده المذكور، فهو يرى بحسب ما اقتضاه اجتهاده أنَّ من له حقُّ التصدّي والتصرُّف فيه هو الفقيه.
الأمر الثاني:
إنَّ دور الفقيه في لزوم إيصال الخُمُس إليه دور الإشراف والنظارة والحفظ والرعاية والأمانة على صرفه، وليس له حقُّ الاستفادة الشخصية منه، إذ لا يمكن أن يأخذ منه شيئاً ما لم يكن مصداقاً لأحد الأصناف المذكورة، وحتَّى لو كان مصادقاً لها فما يأخذه هو مقدار حاجته فقط حاله حال سائر المستحقّين، وهو ما عليه مشهور فقهاء الإماميَّة.
الأمر الثالث:
وأمَّا مستند ومنشأ فتوى الفقهاء في وجوب إيصال الخُمُس إلى الفقيه الجامع للشرائط، فهو يتألَّف من أمرين:
أ- إنَّ الخُمُس ملك منصب الإمامة:
إنَّ الخُمُس ليس ملكاً شخصياً للإمام (عليه السلام)، وإنَّما هو ملك لمنصب الإمامة، فإذا توفّي الإمام لا تنتقل الأخماس إلى ورثته، بل تنتقل إلى الإمام اللاحق له، كما يظهر ذلك من بعض الروايات، منها: صحيحة أبي عليِّ بن راشد، قال: قلت لأبي الحسن الثالث (عليه السلام): إنّا نُؤتى بالشيء فيقال: هذا كان لأبي جعفر (عليه السلام) عندنا، فكيف نصنع؟ فقال: «ما كان لأبي (عليه السلام) بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسُنَّة نبيِّه»(١٠٩).
ومنها: صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الرضا (عليه السلام)، قال: سُئِلَ عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى﴾ [الأنفال: ٤١]، فقيل له: فما كان لله، فلمن هو؟ فقال: «لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وما كان لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهو للإمام»(١١٠).
إذن فإنَّ الخُمُس حقٌّ وحداني -لا ينقسم إلى ما تقدَّم- جُعِلَ لمنصب الإمامة، وتحت اختيار الإمام (عليه السلام)، فإذا ثبت هذا الحقُّ للفقيه في زماننا فله أن يتصرَّف بهذا الحقِّ كما كان للإمام (عليه السلام)، كما سيأتي في أدلَّة النيابة.
ب- النيابة العامَّة للفقهاء:
إنَّ الفقهاء يُمثِّلون مقام النيابة العامَّة عن الإمام (عليه السلام) في زمن الغيبة الكبرى، ولهم عدَّة وظائف دلَّت عليها النصوص والروايات:
الوظيفة الأُولى: وهي تبيين الأحكام الشرعية وتكميلها ليتفاعل الواقع المتغيِّر مع غاية الدين الخاتم، فلا بدَّ من افتراض وجود قاعدة تشريعية تتجاوب مع هدف الشريعة ومستجدّات الحياة وتُلبّي حاجتهم توازناً بين الأصالة والعصرنة على نهج الوحي وامتداده، وهي المسمّاة بالقوَّة التشريعية في المصطلح الفعلي، نعم إنَّ الفارق الجوهري بين الإمام (عليه السلام) والفقيه في هذه الوظيفة هو أنَّ الحكم الصادر من الإمام (عليه السلام) حكم واقعي، وأمَّا الحكم الصادر من المجتهد فهو ظاهري يُخطئ ويُصيب.
وقد دلَّ على ذلك جملة من النصوص والروايات، منها: ما رود عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنَّ العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أنَّ الأنبياء لم يُورِّثوا درهماً ولا ديناراً وإنَّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظّاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمَّن تأخذونه، فإنَّ فينا أهل البيت في كلِّ خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين»(١١١).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الفقهاء أُمناء الرُّسُل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل: يا رسول الله، وما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتِّباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم»(١١٢)، وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «علماء أُمَّتي كأنبياء بني إسرائيل»(١١٣)، وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اللّهمّ ارحم خلفائي، اللّهمّ ارحم خلفائي، اللّهمّ ارحم خلفائي»، قيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟ قال: «الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسُنَّتي»(١١٤).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنَّ أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به»، ثمّ تلا (عليه السلام): «﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ٦٨]»(١١٥). وقال (عليه السلام): «مجاري الأُمور والأحكام على أيدي العلماء بالله، الأُمناء على حلاله وحرامه»(١١٦)، وفي الرواية عن صاحب الزمان (عجّل الله فرجه): «وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنَّهم حجَّتي عليكم، وأنا حجَّة الله»(١١٧).
وهذه النصوص فيها دلالة واضحة وجليَّة على أنَّ الفقهاء هم أُمناء الله ورُسُله على حلاله وحرامه، وبيدهم مجاري الأُمور والأحكام، وهم الحجَّة على الناس بعد الإمام (عليه السلام).
الوظيفة الثانية: القضاء والحكم (القوَّة القضائية).
وهذه الوظيفة قد أُعطيت إلى المجتهد بمقتضى قوله (عليه السلام): «إنّي قد جعلته حاكماً» في مقبولة عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل في رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، قال: «ينظران إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنَّما استخفَّ بحكم الله، وعلينا ردَّ، والرادُّ علينا كالرادِّ على الله، وهو على حدِّ الشرك بالله»(١١٨).
الوظيفة الثالثة: القوَّة التنفيذية.
إنَّ الثابت أنَّ للأئمَّة (عليهم السلام) قيادة الأُمَّة وإدارة شؤون الدولة (القوَّة التنفيذية)، فالإمام (عليه السلام) هو الذي يتحمَّل هذه الوظيفة من قِبَل الله وإن كان المشروع لم يصل إلى مرحلة التنفيذ إلَّا في فترة قصيرة، لكنَّه هل نصب الإمام (عليه السلام) الفقيه لهذه المهمَّة أم لا؟ وبعبارة: هل للفقيه أن يتصدّى إلى غير مقام الفتوى والقضاء من الأُمور العامَّة؟
تفصيل الأُمور العامَّة: إن كانت الأُمور العامَّة التي يتوقَّف عليها حفظ النظام كمسألة نصب الأوصياء والقيِّمين على الصغار والقُصَّر، وهكذا في مسألة الأوقاف العامَّة التي لا يوجد لها ممثِّل معيَّن، وملاحظة مصلحة الطائفة والدفاع عنها من جميع الجهات فكرياً واجتماعياً وتمثيلاً حقيقياً مشرفاً وعرضها بالصور الصحيحة في العرصات العالمية وإيجاد التوازن بين أفرادها وسدِّ حاجاتهم، وهكذا الأُمور المسبَّبة التي لا يرضى الشارع بتركها كالدفاع عن أعراض المؤمنين وأموالهم.
فهذه الأُمور كلُّها إمَّا أن تثبت لعامَّة المؤمنين ويكون الفقيه أحدهم، أو تكون ثابتة لخصوص الفقيه لمعرفته بالأحكام الشرعية، وحيث إنَّه تتوفَّر في الفقيه صفات غير متحقِّقة في غيره من جهة مقامه العلمي الشرعي وهدوئه وورعه وتهذيب نفسه وعدم تكالبه على الدنيا وعدم وقوفه على أبواب السلاطين والظلمة، كلُّ ذلك يقتضي إناطة هذه الأُمور الخطيرة به دون غيره، أمَّا في غير ذلك فلا بدَّ من مراجعة أدلَّة النيابة التي قد ذُكِرَ بعضها فهل تعمُّهُ أم لا؟
وعلى هذا ففي غيبة إمامنا (عجّل الله فرجه) يلزم إيصال الأسهم الثلاثة الأُولى للفقيه الجامع للشرائط بكونه النائب العامّ عن الإمام، وإنَّ الخُمُس حقٌّ للمنصب كما تقدَّم.
ومجرَّد الشكِّ في جواز التصرُّف بهذا الحقِّ بدون إذنه (عليه السلام) كافٍ في استقلال العقل بلزوم الاستئذان منه؛ للزوم الاقتصار في الخروج عن حرمة التصرُّف في ملك الغير على المقدار المتيقَّن من إذنه ورضاه هو حالة الاستئذان فقط، وعليه فإيصاله للفقيه الجامع للشرائط الذي ثبتت نيابته العامَّة يُحرَز من خلاله إبراء الذمَّة.
***************
(١٠٩) الوسائل (ج ٩/ ص ٥٣٧/ باب ٢ من أبواب الأنفال/ ح ٦).
(١١٠) الوسائل (ج ٩/ ص ٥١٢/ باب ٢ من أبواب ما يجب فيه الخُمُس/ ح ٦).
(١١١) الكافي للكليني (ج ١/ ص ٣١).
(١١٢) الكافي (ج ١/ ص ٤٦).
(١١٣) البحار (ج ٢/ ص ٢٢).
(١١٤) البحار (ج ٢/ ص ١٤٤).
(١١٥) البحار (ج ١/ ص ١٨٢).
(١١٦) البحار (ج ٩٧/ ص ٨٧).
(١١٧) البحار (ج ٢/ ص ٨٩).
(١١٨) الوسائل (ج ١/ ص ٣٤/ باب ثبوت الكفر والارتداد/ ح ١٢)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page