شب نحو العُلى والكمال، فهو بمستوى تعاطي القيم والمثل والتربويات القيمة، والحق أن آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مكيفون لذلك منذ الصغر بدءاً من نعومة أظفارهم أي لا يشترط فيهم بلوغ سنٍ معينة ليكونوا على استعداد لأمر ما، كالتربية مثلاً التي تساير نشأتهم وترافق ترعرع صغارهم (الكبار).
أخذ علي الأكبر من التربية الشيء الكثير - دون أن نستكثره عليه سلام الله عليه - وذلك من أعضاء الأسرة الرسالية سواءً الرجال أو النساء، وخصوصاً والده الإمام الحسين الذي يقع عليه عبء إعدادهِ وتعبئتهِ (إن صح قولنا عبء)، والحق أن ذلك لم يكن عبئاً بنظرتهم، أهل البيت، لأنه من أخص خصوصياتهم، فلا يصعب عليهم تكوين النموذج الحي في التربية.
لقد ندرك ببساطة عوامل بلوغ أحدهم مستوىً تربوياً عالياً جداً، وهي بعض عوامل تضلعهم العلم واضطلاعهم بالحكمة فضلاً عن التربية بالذات، وذلك عندما نأخذ بنظر الاعتبار وجود العناصر، أو توفر المقدمات الأساسية هذهِ سلفاً، وهي:
1 - خلو الشخصية من الشوائب السلبية المعكرة والرافضة للإيجابيات والنافرة من الصفاء.
2 - طهارة الروح، وصفاء النفس.
3 - سلامة الضمير.. والتجاوب مع الوجدان.
4 - نزاهة المشاعر، وسمو الأحاسيس..
5 - التطلّع للأفضل والتوق للأحسن .
6 - السعي للاقتراب من الكمال وبلوغ مستوى المسؤوليات ومستوى حمل الرسالة.
هذه كلها مجتمعة تشكل تربة الأرض الخصبة لبذر بذور التربية وغرس أشجار التربية الراسخة الأصول، الضاربة الجذور.. الثابتة في الواقع طالما تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها..
لقد كانوا - أهل البيت - يحرصون على تطبيق نظرياتهم التربوية الرحبة، ويشددون على ضبط الأساليب التهذيبية، ويخلصون في ممارستهم المنهجية من أجل إعداد الإنسان، إعداداً لا يقبلونه إن لم يكن معادلاً لمهامه ومعادلاً لواجباته ومخاطر مسؤولياته الموكل بها..
انهم لا يقلدون أحداً أو فئة في طرائق التربية، وانما لهم عمقهم الفكري وبعد نظرتهم وإبداع أساليبهم، وممارساتهم المبتكرة، انهم يأخذون من الإسلام ما فيه من شذرات ليضيفوا إليها ليوضحوها ويفصلوها بتحويلها إلى فعل وعمل، إلى ترجمة حيوية صادقة، وذلك بجرها جراً إلى حيز التطبيق، لتدخل دائرة التجربة المؤكدة النجاح والحتمية العطاء..
أضف إلى تلك الممارسات الجادة، امتلاكهم للخبرة الواسعة جداً وإدراكهم للمناهج الفاشلة في هذا المضمار.
ثم إن خريج مدارسهم إنسان رفيع في التربية،عالٍ في العلم، علواً يؤهله وبجدارة لأن يكون هو بشخصه مربياً ومعلماً ينهج ويبدع في المنهج الإسلامي، بل يكون هو بالذات مدرسة مستقلة كفيلة باستيعاب المجتمع وتقديم العطاءات الاصلاحية له، لأن خريج مدارسهم مكيف لذلك جاهز له بحكم مضمونه ومحتواه ((وكل إناء بالذي فيه ينضح)).
ولمن يريد الوقوف على مدارس التربية عند أهل البيت ومناهجهم الواعية، ولمن يريد التوفر على نظرياتهم الثرية، فما عليه إلا أن يراجع مذخوراتهم والثروة الكبيرة من التراث الذي خلفوه. سلام الله عليهم.
ان خصوصيات مناهجهم، التربوية قد انعكست على مواقفهم الصارمة الحاسمة، ففوق أنها سر كمالهم، فهي تفسير مواقفهم المبدئية وقراراتهم الخطيرة التي آلوا على ألا يفرطوا في جنبها.
ونحن إذ نمجد، والمسلمون إذ يمجدون ذلك فيهم فليس من باب الزهو بهم، وانما من باب التأثر والاقتداء بهم لندرك أسرار سيرتهم وأبعاد أعمالهم الصعبة وأمرهم المستصعب، الذي عجز الرجال عن تحمله لافتقارهم للرجولة ولأن رجولتهم الضعيفة تنقصها تربويات الإسلام وفق منهاجه التام..
تربيته
- الزيارات: 2058